فصل: سورة التغابن:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الوجيز في تفسير الكتاب العزيز (نسخة منقحة)



.سورة الصف:

.تفسير الآيات (1- 5):

{سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (1) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ (2) كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ (3) إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ (4) وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ لِمَ تُؤْذُونَنِي وَقَدْ تَعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ (5)}
{سبَّح لله ما في السموات وما في الأرض وهو العزيز الحكيم}.
{يا أيها الذين آمنوا لِمَ تقولون ما لا تفعلون} كان المؤمنون يقولون: لو علمنا أحبَّ الأعمال إلى الله لبذلنا فيه أموالنا وأنفسنا، فأُخبروا بذلك في قوله: {إنَّ الله يُحِبُّ الذين يقاتلون} الآية.
وقوله: {كَبُر مقتاً عند الله} أَيْ: عَظُم ذلك في البعض {أن تقولوا ما لا تفعلون} وقوله: {إنَّ الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفاً} وأُعلموا أنَّ أحب الأعمال إلى الله الجهاد، فلم يَفوا بما قالوا وانهزموا يوم أُحدٍ، فَعُيِّروا بهذه الآية. وقوله: {كأنهم بنيان مرصوص} لاصق ٌ بعضه ببعض لا يزولون عن أماكنهم.
{وإذ قال موسى} أَيْ: اذكر يا محمَّد لقومك قصَّة موسى إذ قال لقومه: {يا قوم لم تؤذونني} وذلك حين رموه بالأُدْرَة {وقد تعلمون أني رسول الله إليكم} والرَّسول يُعظَّم ولا يُؤذى {فلما زاغوا} عدلوا عن الحقِّ {أزاغ الله قلوبهم} أضلَّهم الله وصرف قلوبهم عن الحقِّ {والله لا يهدي القوم الفاسقين} أَيْ: مَنْ سبق في علمه أنَّه فاسقٌ.

.تفسير الآيات (13- 14):

{وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ (13) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونُوا أَنْصَارَ اللَّهِ كَمَا قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيِّينَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ فَآَمَنَتْ طَائِفَةٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَكَفَرَتْ طَائِفَةٌ فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آَمَنُوا عَلَى عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظَاهِرِينَ (14)}
{وأخرى تحبونها} أَيْ: ولكم أخرى تحبُّونها في العاجل مع ثواب الآجل، ثمَّ بيَّن ما هي فقال: {نصرٌ من الله وفتح قريب}.
{يا أيها الذين آمنوا كونوا أنصار الله} أعواناً بالسَّيف على أعدائه {كما قال عيسى ابن مريم للحواريين مَنْ أنصاري إلى الله} أَيْ: مع الله {قال الحواريون نحن أنصار الله فآمنت طائفة من بني إسرائيل} بعيسى {وكفرت طائفة فأيدنا الذين آمنوا} قوّيناهم {على عدوهم فأصبحوا ظاهرين} غالبين.

.سورة الجمعة:

.تفسير الآية رقم (1 3):

{يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (1) هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (2) وَآَخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (3)}
{يسبح لله ما في السموات وما في الأرض الملك القدوس العزيز الحكيم}.
{هو الذي بعث في الأميين} يعني: العرب {رسولاً منهم} محمداً عليه السَّلام.
{وآخرين منهم} أَيْ: وفي آخرين منهم {لما يلحقوا بهم} وهم التَّابعون وجميعُ مَنْ يدخل في الإسلام، والنبيُّ صلى الله عليه وسلم مبعوثٌ إلى كلِّ مَنْ شاهده، وإِلى كلِّ مَنْ كان بعدهم من العرب والعجم.

.تفسير الآيات (5- 6):

{مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (5) قُلْ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ هَادُوا إِنْ زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ أَوْلِيَاءُ لِلَّهِ مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (6)}
{مثل الذين حملوا التوارة} كُلِّفوا العمل بها {ثمَّ لم يحملوها} لم يعملوا بما فيها {كمثل الحمار يحمل أسفاراً} كتباً. أَيْ: اليهود، شبَّههم في قلَّة انتفاعهم بما في أيديهم من التَّوراة إذ لم يؤمنوا بمحمد عليه السَّلام بالحمار يحمل كتباً، ثمَّ قال: {بئس مثلُ القوم الذين كذبوا بآيات الله والله لا يهدي القوم الظالمين}.
{قل يا أيها الذين هادوا إن زعمتم أنكم أولياء لله من دون الناس فتمنوا الموت إن كنتم صادقين} فسِّر في سورة البقرة عند قوله: {قل إنْ كانت لكم الدَّارُ الآخرةُ....} الآية.

.تفسير الآيات (8- 11):

{قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلَاقِيكُمْ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (8) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (9) فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (10) وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا قُلْ مَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ مِنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجَارَةِ وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (11)}
{قل إنَّ الموت الذي تفِرُّون منه} وذلك أنَّهم علموا أنَّ عاقبتهم النَّار بتكذيب محمد عليه السَّلام، فكرهوا الموت، قال الله: {فإنَّه ملاقيكم} أَيْ: لابد لكم منه يلقاكم وتلقونه.
{يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله} أَيْ: اعلموا على المشي إليه {وذروا البيع} اتركوه بعد النِّداء.
{فإذا قضيت الصَّلاة} فُرغ منها {فانتشروا في الأرض} أَمرُ إباحةٍ {وابتغوا من فضل الله} الرِّزق.
{وإذا رأوا تجارة أو لهواً انفضوا إليها} أَيْ: تفرَّقوا عنك إلى التِّجارة، وكان النبيُّ صلى الله عليه وسلم في خطبته يوم الجمعة، فقدمت عيرٌ وضرب لقدومها الطبل، وكان ذلك في زمان غلاءٍ بالمدينة، فتفرَّق النَّاس عن النبيّ صلى الله عليه وسلم إلى التِّجارة وصوت الطبل، ولم يبق معه إلاَّ اثنا عشر نفساً. وقوله: {وتركوك قائماً} أَيْ: في الخطبة. {قل ما عند الله} للمؤمنين {خير من اللهو ومن التجارة والله خير الرازقين} فإيَّاه فاسألوا، ولا تنفضُّوا عن الرَّسول صلى الله عليه وسلم لطلب الرِّزق.

.سورة المنافقون:

.تفسير الآيات (1- 6):

{إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ (1) اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (2) ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ آَمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا فَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَفْقَهُونَ (3) وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ (4) وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ لَوَّوْا رُءُوسَهُمْ وَرَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ (5) سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ (6)}
{إذا جاءك المنافقون قالوا نشهد إنك لرسول الله والله يعلم إنك لرسوله والله يشهد إنَّ المنافقين لكاذبون} لإِضمارهم خلاف ما أظهروا.
{اتخذوا أيمانهم} جمع يمينٍ {جنَّة} سترةً يستترون بها من القتل. يعني: قولهم: {ويحلفون بالله إنَّهم لمنكم} وقوله: {يحلفون بالله ما قالوا} {فصدوا عن سبيل الله} منعوا النَّاس عن الإِيمان بمحمَّد صلى الله عليه وسلم {إنهم ساء ما كانوا يعملون} بئس العملُ عملهم.
{ذلك بأنهم آمنوا} في الظَّاهر {ثمَّ كفروا} بالاعتقاد.
{وإذا رأيتهم تعجبك أجسامهم} في طولها واستواء خلقها، وكان عبد الله بن أبيّ جسيماً صبيحاً فصيحاً، إذا تكلَّم يَسمع النبيُّ صلى الله عليه وسلم قوله، وهو قوله: {وإن يقولوا تسمع لقولهم} ثمَّ أعلم أنَّهم في ترك التَّفهُّم بمنزلة الخشب، فقال: {كأنهم خشب مسندة} أَيْ: ممالةٌ إلى الجدار {يحسبون} من جُبنهم وسوء ظنِّهم {كلَّ صيحة عليهم} أَيْ: إنْ نادى منادٍ في العسكر، أو ارتفع صوتٌ، ظنُّوا أنَّهم يُرادون بذلك لما في قلوبهم من الرُّعب {هم العدو} وإن كانوا معك {فاحذرهم} ولا تأمنهم {قاتلهم الله} لعنهم الله {أنى يؤفكون} من أين يُصرفون عن الحقِّ بالباطل؟!.
{وإذا قيل لهم تعالوا يستغفر لكم رسول الله لووا رؤوسهم} وذلك أنَّه لمَّا نزلت هذه الآيات قيل لعبد الله بن أبيّ: لقد نزلت فيك آيٌ شدادٌ، فاذهب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يستغفر لك، فلوى رأسه وأعرض بوجهه إظهاراً للكراهة {ورأيتهم يصدون} يُعرضون عمَّا دُعوا إليه {وهم مستكبرون} لا يستغفرون، ثمَّ أخبر أنَّ استغفار الرَّسول عليه السَّلام لا ينفعهم لفسقهم وكفرهم فقال: {سواءٌ عليهم أستغفرت لهم أم لم تستغفر لهم لن يغفر الله لهم}.

.تفسير الآيات (7- 11):

{هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لَا تُنْفِقُوا عَلَى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا وَلِلَّهِ خَزَائِنُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَفْقَهُونَ (7) يَقُولُونَ لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ (8) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (9) وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ (10) وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (11)}
{هم الذين يقولون لا تنفقوا على من عند رسول الله} وذلك أَنَّ عبد الله ابن أبيّ قال لقومه وذويه: لا تنفقوا على أصحاب محمَّد- صلى الله عليه وسلم ورضي عنهم- حتى ينفضُّوا، أَيْ: يتفرَّقوا {ولله خزائن السموات والأرض} أَيْ: إنَّه يرزق الخلق كلَّهم، وهو يرزق المؤمنين والمنافقين جميعاً.
{يقولون لئن رجعنا إلى المدينة} يعني: عبد الله ابن أبيّ، وكان قد خرج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى غزوة بني المصطلق، وجرى بينه وبين واحدٍ من المؤمنين جدال، فأفرط عليه المؤمن فقال عبد الله بن أبيّ: {لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعزُّ منها الأذل} يعني: بالأعزِّ نفسه، وبالأذلِّ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال الله تعالى: {ولله العزَّة} القوَّة والغلبة {ولرسوله} بعلوِّ كلمته وإظهار دينه {وللمؤمنين} بنصر الله إيَّاهم على مَنْ ناوأهم.
{يا أيها الذين آمنوا لا تلهكم} لا تشغلكم {أموالكم ولا أولادكم عن ذكر الله} أَيْ: الصَّلوات الخمس {ومَنْ يفعل ذلك} يشتغل بشيءٍ عن الصَّلوات {فأولئك هم الخاسرون}.
{وأنفقوا مما رزقناكم} يعني: أَدُّوا الزَّكاة {من قبل أن يأتي أحدكم الموت فيقول ربِّ لولا أخرتني إلى أجل قريب} هلاَّ أخرتني إلى أجلٍ قريبٍ، يسأل الرجعة، وما قصَّر أحدٌ في الزَّكاة والحجِّ إلاَّ سأل الرَّجعة عند الموت {فأصدَّق} أَيْ: أتصدَّق وأُزكِّي {وأكن من الصالحين} أَيْ: أحج. قال الله تعالى: {ولن يؤخر الله نفساً إذا جاء أجلها والله خبيرٌ بما تعملون}.

.سورة التغابن:

.تفسير الآيات (1- 3):

{يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (1) هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنْكُمْ كَافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (2) خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ (3)}
{يسبح لله ما في السموات وما في الأرض له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير}.
{هو الذي خلقكم} أَيْ: في بطون أمهاتكم {فمنكم كافر ومنكم مؤمن} أَيْ: خلقكم كُفَّاراً ومؤمنين، وقوله: {فأحسن صوركم} أَيْ: خلقكم أحسن الحيوان.

.تفسير الآيات (5- 6):

{أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ فَذَاقُوا وَبَالَ أَمْرِهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (5) ذَلِكَ بِأَنَّهُ كَانَتْ تَأْتِيهِمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَقَالُوا أَبَشَرٌ يَهْدُونَنَا فَكَفَرُوا وَتَوَلَّوْا وَاسْتَغْنَى اللَّهُ وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَمِيدٌ (6)}
{ألم يأتكم} يا أهلَ مكَّة {نبأ الذين كفروا من قبل} أَيْ: خبر الأمم الكافرة قبلكم {فذاقوا وبال أمرهم} ذاقوا في الدُّنيا العقوبة بكفرهم {ولهم} في الآخرة {عذاب أليم}.
{ذلك} أَيْ: ذلك الذي نزل بهم {بأنَّه كانت تأتيهم رسلهم بالبينات فقالوا أبشرٌ يهدوننا} استبعدوا أن يكون الدَّاعي إلى الحقِّ بشراً، والمراد بالبشر هاهنا الجمع، لذلك قال: {يهدوننا فكفروا وتولوا} عن الإِيمان {واستغنى الله} أَيْ: عن إيمانهم {والله غنيٌّ} عن خلقه {حميد} في أفعاله.

.تفسير الآية رقم (9):

{يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ الْجَمْعِ ذَلِكَ يَوْمُ التَّغَابُنِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صَالِحًا يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (9)}
{يوم التغابن} يغبن فيه أهلُ الجنَّة أهلَ النَّار بأخذ منازلهم التي كانت لهم في الجنَّة لو آمنوا، ويغبن مَنْ ارتفعت منزلته في الجنَّة مَنْ كان دون منزلته، فيظهر في ذلك اليوم غبن كلِّ كافرٍ بترك الإِيمان، وغبن كلِّ مؤمنٍ بتقصيره.

.تفسير الآية رقم (11):

{مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (11)}
{ما أصاب من مصيبة إلاَّ بإذن الله} بعلمه وإرادته {ومَنْ يؤمن بالله} يُصدِّق بأنَّه لا تصيبه مصيبةٌ إلاَّ بإذن الله {يهد قلبه} يجعله مهتدياً حتى يشكر عند النِّعمة، ويصبر عند الشدَّة.

.تفسير الآيات (14- 16):

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (14) إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ وَاللَّهُ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ (15) فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَأَنْفِقُوا خَيْرًا لِأَنْفُسِكُمْ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (16)}
{يا أيها الذين آمنوا إنَّ من أزواجكم وأولادكم عدواً لكم} نزلت في قومٍ آمنوا، وأرادوا الهجرة فثبَّطهم أهلهم وأولادهم، وقالوا: لا نصبر على مفارقتكم، فأخبر الله تعالى أنَّهم أعداءٌ لهم بحملهم إيَّاهم على المعصية وترك الطَّاعة {فاحذروهم} أن تقبلوا منهم ولا تطيعوهم، ثمَّ إذا هاجر هذا الذي ثبَّطه أهله عن الهجرة رأى النَّاس قد تعلَّموا القرآن، وتفقَّهوا في الدِّين فيهمُّ أن يعاقب أهله، فقال الله تعالى: {وإن تعفوا وتصفحوا فإن الله غفور رحيم}.
{إنما أموالكم وأولادكم فتنة} اتبلاءٌ واختبارٌ لكم، فمَنْ كسب الحرام لأجل الأولاد، ومنع ماله عن الحقوق، فهو مفتونٌ بالمال والولد {والله عنده أجر عظيم} لمن صبر عن الحرام، وأنفق المال في حقِّه.
{فاتقوا الله ما استطعتم} يعني: إذا أمكنكم الجهاد والهجرة فلا يفتننكم الميل إلى الأموال والأولاد عن ذلك. وهذه الآية ناسخةٌ لقوله تعالى: {اتَّقوا اللَّهَ حقَّ تُقاتِه} وقوله: {وأنفقوا خيراً لأنفسكم} أَيْ: قدِّموا خيراً لأنفسهم من أموالكم {ومَنْ يُوقَ شُحَّ نفسه} بخلها وحرصها حتى ينفق المال {فأولئك هم المفلحون} الفائزون بالخير.